فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله جلّ ذكره: {وَدَّت طِّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَو يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ}.
من حلَّت به فتنة، وأصابته محنة، واستهوته غواية- رَضِي لجميع الناس ما حلّ به، فأهل الكتاب يريدون بالمؤمنين أن يزيغوا عن الحق، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، وأن يعودَ إليهم وبالُ فعلهم. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{وَدَّت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الكتاب لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} المشهور أنها نزلت حين دعا اليهود حذيفة وعمارًا ومعاذًا إلى اليهودية، فالمراد بأهل الكتاب اليهود، وقيل: المراد بهم ما يشمل الفريقين، والآية بيان لكونهم دعاة إلى الضلالة إثر بيان أنهم ضالون، وأخرج ابن المنذر عن سفيان أنه قال: كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى، ولعله جار مجرى الغالب، و{مِنْ} للتبعيض، والطائفة رؤساؤهم وأحبارهم، وقيل: لبيان الجنس والطائفة جميع أهل الكتاب وفيه بعد، و{لَوْ} بمعنى أن المصدرية، والمنسبك مفعول ودّ وجوز إقرارها على وضعها، ومفعول ودّ محذوف، وكذا جواب {لَوْ} والتقدير: ودّت إضلالكم لو يضلونكم لسروا بذلك، ومعنى {يُضِلُّونَكُمْ} يردونكم إلى كفركم قاله ابن عباس أو يهلكونكم قاله ابن جرير الطبري أو يوقعونكم في الضلال ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم قاله أبو علي وهو قريب من الأول.
{وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ} الواو للحال، والمعنى على تقدير إرادة الأهلاك من الإضلال أنهم ما يهلكون إلا أنفسهم لاستحقاقهم بإيثارهم إهلاك المؤمنين سخط الله تعالى وغضبه، وإن كان المراد من الأهلاك الإيقاع في الضلال فيحتاج إلى تأويل لأن القوم ضالون فيؤدي إلى جعل الضال ضالًا فيقال: إن المراد من الإضلال ما يعود من وباله إما على سبيل المجاز المرسل، أو الاستعارة أي ما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا إليهم لما أنهم يضاعف به عذابهم، أو المراد بأنفسهم أمثالهم المجانسون لهم، وفيه على ما قيل: الأخبار بالغيب فهو استعارة أو تشبيه بتقدير أمثال أنفسهم إذ لم يتهود مسلم ولله تعالى الحمد وقيل: إن معنى إضلالهم أنفسهم إصرارهم على الضلال بما سولت لهم أنفسهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بأيضاح الحجج، ولا يخلو عن شيء {وَمَا يَشْعُرُونَ} أي وما يفطنون بكون الإضلال مختصًا بهم لما اعترى قلوبهم من الغشاوة قاله أبو علي وقيل: {وَمَا يَشْعُرُونَ} بأن الله تعالى يعلم المؤمنين بضلالهم وإضلالهم، وفي نفي الشعور عنهم مبالغة في ذمهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (70):

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما ختم الكلام فيهم بنفي شعورهم بين تعالى في معرض التبكيت أن نفيهم عنه إنما هو لأنهم معاندون، لا يعملون بعلمهم، بل يعملون بخلافه، فقال مستأنفًا بما يدل على غاية التبكيت المؤذنة بشديد الغضب: {يا أهل الكتاب} أي الذين يدعون أنهم أهل العلم {لم تكفرون} أي كفرًا تجددونه في كل وقت {بآيات الله} أي تسترون ما عندكم من العلم بسبب الآيات التي أنزلت عليكم من الملك المحيط بكل شيء عظمة وعزًا وعلمًا {وأنتم تشهدون} أي تعلمون علمًا هو عندكم في غاية الانكشاف أنها آياته اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بيّن حال الطائفة التي لا تشعر بما في التوراة من دلالة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، بيّن أيضا حال الطائفة العارفة بذلك من أحبارهم.
فقال: {يأَهْلَ الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بأيات الله}. اهـ.
في قوله: {بآيات الله} وجوه:
الأول: أن المراد منها الآيات الواردة في التوراة والإنجيل، وعلى هذا القول فيه وجوه:
أحدها: ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمد عليه السلام، ومنها ما في هذين الكتابين، أن إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا، ومنها أن فيهما أن الدين هو الإسلام.
واعلم أن على هذا القول المحتمل لهذه الوجوه نقول: إن الكفر بالآيات يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم ما كانوا كافرين بالتوراة بل كانوا كافرين بما يدل عليه التوراة فأطلق اسم الدليل على المدلول على سبيل المجاز والثاني: أنهم كانوا كافرين بنفس التوراة لأنهم كانوا يحرفونها وكانوا ينكرون وجود تلك الآيات الدالة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأما قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} فالمعنى على هذا القول أنهم عند حضور المسلمين، وعند حضور عوامهم، كانوا ينكرون اشتمال التوراة والإنجيل على الآيات الدالة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إذا خلا بعضهم مع بعض شهدوا بصحتها، ومثله قوله تعالى: {تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} [آل عمران: 99].
واعلم أن تفسير الآية بهذا القول، يدل على اشتمال هذه الآية على الأخبار عن الغيب لأنه عليه الصلاة والسلام أخبرهم بما يكتمونه في أنفسهم، ويظهرون غيره، ولا شك أن الأخبار عن الغيب معجز.
القول الثاني: في تفسير آيات الله أنها هي القرآن وقوله: {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} يعني أنكم تنكرون عند العوام كون القرآن معجزًا ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم كونه معجزًا.
القول الثالث: أن المراد بآيات الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول فقوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} معناه أنكم إنما اعترفتم بدلالة المعجزات التي ظهرت على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدالة على صدقهم، من حيث أن المعجز قائم مقام التصديق من الله تعالى فإذا شهدتهم بأن المعجز إنما دل على صدق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من هذا الوجه، وأنتم تشهدون حصول هذا الوجه في حق محمد صلى الله عليه وسلم كان إصراركم على إنكار نبوته ورسالته مناقضًا لما شهدتهم بحقيته من دلالة معجزات سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على صدقهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}.
أي لم تكفرون بما يتلى عليكم من آيات القرآن وأنتم تعلمون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل، وقيل: المراد: لم تكفرون بما في كتبكم من الآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون الحجج الدالة على ذلك، أو: لم تكفرون بما في كتبكم من أن الدين عند الله الإسلام وأنتم تشاهدون ذلك، أو: لم تكفرون بالحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون أن ظهور المعجزة يدل على صدق مدعي الرسالة أو أنتم تشهدون إذا خلوتم بصحة دين الإسلام، أو: لم تكفرون بآيات الله جميعًا وأنتم تعلمون حقيتها بلا شبهة بمنزلة علم المشاهدة. اهـ.

.قال السمرقندي:

يقول لم تجحدون بالقرآن {وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} أنه نبيّ الله، لأنهم كانوا يخبرون بأمره قبل مبعثه ويقال: بآيات الله، يعني بعجائبه ودلائله.
ويقال: بآية الرجم. اهـ.

.قال الطبري:

يعني بذلك جل ثناؤه: {يا أهل الكتاب}، من اليهود والنصارى {لم تكفرون}، يقول: لم تجحدون {بآيات الله}، يعني: بما في كتاب الله الذي أنزله إليكم على ألسن أنبيائكم، من آيه وأدلته {وأنتم تشهدون} أنه حق من عند ربكم.
وإنما هذا من الله عز وجل، توبيخٌ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم، مع شَهادتهم أن ما في كتبهم حقٌّ، وأنه من عند الله. اهـ.

.قال ابن عطية:

المعنى: قل لهم يا محمد، لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آية القرآن؟ وأنتم تشهدون أن أمره وصفة محمد الذي هو الآتي به في كتابكم، قال هذا المعنى قتادة وابن جريج والسدي، وتحتمل الآية أن يريد بالآيات ما ظهر على يدي محمد عليه السلام من تعجيز العرب والإعلام بالغيوب وتكلم الجماعات وغير ذلك و{تشهدون} على هذا يكون بمعنى تحضرون وتعاينون، والتأويل الأول أقوى لأنه روي أن أهل الكتاب كانوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم يخبرون بصفة النبي الخارج وحاله، فلما ظهر كفروا به حسدًا، فإخبارهم المتقدم لظهوره هو الشهادة التي وقفوا عليها، قال مكي: وقيل إن هذه الآيات عني بها قريظة والنضير وبنو قينقاع ونصارى نجران. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله} قال ابن عباس: هي التوراة والإنجيل وكفرهم بها من جهة تغيير الأحكام، وتحريف الكلام أو الآيات التي في التوراة والإنجيل من وصف النبي صلى الله عليه وسلم، والإيمان به، كما بين في قوله: {يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل} قاله قتادة، والسدي، والربيع، وابن جريح.
أو: القرآن من جهة قولهم: {إنما يعلمه بشر} {إن هذا إلا إفك} {أساطير الأولين} والآيات التي أظهرها على يديه من: انشقاق القمر، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، وغير ذلك.
أو: محمد والإسلام، قاله قتادة، أو: ما تلاه من أسرار كتبهم وغريب أخبارهم، قاله ابن بحر أو: كتب الله، أو: الآيات التي يبين لهم فيها صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وصحة نبوّته، وأمروا فيها باتباعه، قاله ابو علي. اهـ.

.قال الثعالبي:

ويحتملُ الجميع من الآيات المتلوَّة والمعجزات التي شَاهَدُوها منه صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وأنتم تشهدون}:

.قال أبو حيان:

{وأنتم تشهدون} جملة حالية أنكر عليهم كفرهم بآيات الله وهم يشهدون أنها آيات الله، ومتعلق الشهادة محذوف، يقدّر على حسب تفسير الآيات، فيقدّر بما يناسب ما فسرت به، فلذلك قال قتادة، والسدي، والربيع: وأنتم تشهدون بما يدل على صحتها من كتابكم الذي فيه البشارة.
وقيل: تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي تقرون بها، وقيل: بما عليكم فيه من الحجة.
وقيل: إن كتبكم حق، ولا تتبعون ما أنزل فيها.
وقيل: بصحتها إذا خلوتم.
فيكون: تشهدون، بمعنى: تقرون وتعترفون.
وقال الراغب: أو عنى ما يكون من شهادتهم {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم}.
وقيل: تكفرون بآيات الله: تنكرون كون القرآن معجزًا، ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم أنه معجز. اهـ.

.قال ابن عادل:

{لم} أصلها لِمَا لأنها ما التي للاستفهام، دخلت عليها اللامُ، فحُذِفت الألف؛ لطلب الخفة لأن حرف الجر صار كالعِوَضِ عنها، ولأنها وقعت طرفًا، ويدل عليها الفتحة؛ وعلى هذا قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] وقوله: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} [الحجر: 54] والوقف على هذه الحروف يكون بالهاء نحو فَبِمَهْ، لِمَهْ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (71):

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وأنتم تشهدون} أي تعلمون علمًا هو عندكم في غاية الانكشاف أنها آياته؛ ثم أتبع ذلك استئنافًا آخر مثل ذلك إلا أن الأول قاصر على ضلالهم وهذا متعد إلى إضلالهم فقال: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق} أي الذي لا مرية فيه {بالباطل} أي بأن تؤولوه بغير تأويله، أو تحملوه على غير محله {وتكتمون الحق} أي الذي لا يقبل تأويلًا، وهو ما تعلمون من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وتوابعها {وأنتم} أي والحال أنكم {تعلمون} أي من ذوي العلم، فأنتم تعرفون ذلك قطعًا وأن عذاب الضال المضل عظيم جدًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن علماء اليهود والنصارى كانت لهم حرفتان إحداهما: أنهم كانوا يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا يعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند الله والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في الآية الأولى وثانيتهما: إنهم كانوا يجتهدون في إلقاء الشبهات، وفي إخفاء الدلائل والبينات والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في هذه الآية الثانية، فالمقام الأول مقام الغواية والضلالة والمقام الثاني مقام الإغواء والإضلال. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وإعادة ندائهم بقوله: {يا أهل الكتاب} ثانيةً لقصد التوبيخ وتسجيل باطلهم عليهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الساعي في إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين: إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل، وإما بإخفاء الدليل الذي يدل على الحق، فقوله: {لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل} إشارة إلى المقام الأول وقوله: {وَتَكْتُمُونَ الحق} إشارة إلى المقام الثاني أما لبس الحق بالباطل فإنه يحتمل هاهنا وجوهًا:
أحدها: تحريف التوراة، فيخلطون المنزل بالمحرف، عن الحسن وابن زيد.
وثانيها: إنهم تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار، ثم الرجوع عنه في آخر النهار، تشكيكًا للناس، عن ابن عباس وقتادة وثالثها: أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من البشارة والنعت والصفة ويكون في التوراة أيضا ما يوهم خلاف ذلك، فيكون كالمحكم والمتشابه فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر كما يفعله كثير من المشبهة، وهذا قول القاضي ورابعها: أنهم كانوا يقولون محمدًا معترف بأن موسى عليه السلام حق، ثم إن التوراة دالة على أن شرع موسى عليه السلام لا ينسخ وكل ذلك إلقاء للشبهات. اهـ.